2017-10-25

صرخة الأولياء: "أبناؤنا لا يفهمون الدروس"

التسميات


"أنا تعبان"، عبارة لم تخرج من فاه شيخ طاعن في السن أتعبته هموم الحياة، وإنما تفوه بها طفل يدرس في السنة الثانية ابتدائي لا يتعدى عمره السبع سنوات، قالها لأمه أمام باب المدرسة وهو مطأطأ الرأس مقوس الظهر من شدة ثقل المحفظة التي كان يحملها، في محاولة منه للتعبير عن نفوره من الدراسة التي أصبحت عصية عليه.


  • حشو

حشو في الدروس، أساتذة ومعلمون غير مؤهلين لممارسة مهنة التعليم، برامج مكتظة ومواد علمية تُدرَس في الفترات المسائية وأخرى أدبية برمجت في الفترات الصباحية، غياب النشاطات الثقافية، لا ملاعب لممارسة الأنشطة الرياضية ولا محفزات نفسية.. وغيرها من النقائص التي من شأنها أن تجعل التلميذ الجزائري ينفر من الدراسة في المؤسسات التربوية وتفقده رغبة الاجتهاد في دروسه.

يواجه التلميذ ياسر الذي لم يخف عن والدته فقدان الرغبة في ولوج المدرسة صعوبات في استيعاب الدروس التي تقدمها معلمته الجديدة بإحدى مدارس بلدية باب الزوار في الجزائر العاصمة، وفق ما أوضحته الأم في حديثها مع "الخبر"، حيث قالت: "تخيل أنني اصطحبته إلى طبيبة نفسانية علَها تساعده على تجاوز كبوته، إلا أنه قال لها بصريح العبارة: راني عيان".

ليس ياسر وحده من يعاني الحشو في الدروس، فالتلميذة باتول التي تدرس في السنة الثالثة هي الأخرى تعاني من صعوبات في استيعاب الدروس التي تقدم لها بمدرسة ابتدائية عمومية بالمحمدية في العاصمة، ما أجبر والدتها على استدراك الوضع من خلال متابعتها يوميا في المنزل ومراجعة الدروس التي قدمت لها في المدرسة وإعادة شرحها بطريقة أخرى كي لا تتيه في حزمة الدروس والكتب التي فاقت قدرة استيعاب ذاكرتها.


  • أساتذة ليسوا مهيئين للتعليم

تقول أم بتول وملامح الحيرة بادية على وجهها: "مع كل احتراماتي للمعلمين والأساتذة الذين يتم توظيفهم سنويا بالآلاف في سلك التعليم، إلا أن البعض منهم لا تتوفر فيهم أدنى شروط التعليم وغير جديرين به، سواء من حيث المستوى أو الكفاءة.. بصراحة من لا يتابع أبناءه في المنزل عن كثب ويسهر على تدريسهم وإعادة شرح جميع الدروس بنفسه فلا يلوم في المستقبل إلا نفسه".

أما السيد رضوان ولي التلميذ رفيق الذي يدرس في متوسطة بحي حسين داي في العاصمة، ما إن فاتحناه في الموضوع حتى استرسل يقول: "تخيَل أن أستاذة تدرس مادتي التاريخ والجغرافيا تجهل بأن دولة بولونيا هي نفسها بولندا، ومنحت ابني نقطة صفر في اختبار لأنه كتب الاسم الثاني للدولة!". وتابع مبتسما: "لما فاتحها التلميذ في الموضوع واستفسر منها سبب منحه صفرا عن الإجابة، ردت عليه بأن بولندا وبولونيا دولتان مختلفتان، فعقب عليها بسؤال آخر عن عاصمة الدولتين؟ لترد عليه بأن عاصمة بولونيا هي وارسوا أما عن عاصمة بولندا فلم تجد مبررا سوى الرد بأن الذاكرة خانتها"!

وللوقوف على الأسباب الحقيقية التي تعيق التلاميذ عن فهم الدروس، اقتربنا من معلمة ابتدائي مستخلفة، وبادرناها بسؤال حول الموضوع فردت: "لم تمر علي إلا أشهر فقط على دخولي عالم التربية، ومازلت أواجه الكثير من الصعوبات في القسم، ولا أخفي عليكم بأنني ألجأ في الكثير من الأحيان إلى استعمال تقنية 3" جي" للاستفسار عن موضوع ما من عند الزملاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، المهم أن لا أقدم للتلاميذ معلومات خاطئة".


  • دروس خصوصية


 لم يجد الكثير من الأولياء حلا ينقذون به أبناءهم الذين أصبحت الدراسة عسيرة عليهم إلا باللجوء إلى الدروس التدعيمية لتسهيل الفهم عليهم، وهو حال التلميذ جواد الذي يدرس في السنة الرابعة ابتدائي، الذي تراجع مستواه الدراسي وأصبح يواجه صعوبات في فهم الدروس خاصة العلمية منها.

تقول والدة الطفل جواد التي تشغل منصبا بإحدى المؤسسات الخاصة ولا يكفيها الوقت لمتابعته في المنزل بأنها مجبرة على دفع مبالغ إضافية مقابل استفادة ابنها من دروس تدعيمية.

وأضافت المتحدثة نفسها بأنه: "لو لا الدروس التدعيمية لما استطاع ابني فهم جميع الدروس التي تقدم له في المدرسة، ولا تنسى أن الطور الابتدائي هو القاعدة".

وفي حديث "الخبر" مع أولياء تلاميذ من عدة مؤسسات تربوية في العاصمة، لم يخف أغلبهم الخوف الذي يساورهم على مستقبل أبنائهم الدراسي، كون الدروس التي تقدم لهم تفوق قدرتهم الاستيعابية وأصبح فهمها عسيرا لولا تكثيف الجهود بالمراجعة اليومية في المنزل والمتابعة عبر الدروس التدعيمية التي تكلفهم أموالا إضافية، خاصة في ظل اكتظاظ الأقسام، ما يصعب المهمة على الأساتذة.