2017-12-20

الشـــيخ الطـــيب الـــعقبي

التسميات

الشـــيخ الطـــيب الـــعقبي


  • مولده ونشأته:


   ولد الطيب محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح العقبي سنة 1888م بمدينة سيدي عقبة، ضواحي بسكرة، وهو من عائلة متوسطة معروف بالورع والتقوى. في سنة 1894، وكان عمره آنذاك ست سنوات هاجرت عائلته إلى المدينة المنورة، وهناك كبر ونما وترعرع الولد الطيب، فحفظ القرآن الكريم وتلقى مختلف الدروس في اللغة، الفقه والتوحيد، لكن وفاة أبيه في هذه الأثناء أرغمته على مساعدة أمه في تربية إخوته.

 وقبيل الحرب العالمية الأولى بدأ الشاب في نشر مقالاته حول السياسة والدين، ومراسلة بعض الصحف والمجلات، لكن هذا النشاط لم يدم طويلا حيث إعتقل من طرف السلطات العثمانية بتهمة موالاته للشريف الحسيني، وأنه زعيم حركة النهضة العربية، ونفي إلى الأناضول بتركيا حيث أمضى هناك أكثر من عامين.

  وفي سنة 1918، مع نهاية الحرب العالمية الأولى عاد واستقر في مكة المكرمة وعين من طرف أميرها الشريف حسين، مديرا الجريدة ” القبلة” وفي هذا المنصب استطاع الشيخ الطيب أن يقوم بدور هام في النهضة العربية. لكن رغم هذا النشاط كله لم يكن مطمئنا على التطورات التي كانت تعرفها البلاد العربية آنذاك، حيث بدأ التكالب والتحالف الغربي على إبتلاع خيراتها وإستقلال ثرواتها، مما عجل بعودة الشيخ إلى وطنه الجزائر، إلى مدينة بسكرة بحجة الإشراف على أملاك أسرته. وكان وصوله إلى هذه المدينة سنة 1920، واستقر به المقام هناك، وبدأ يهتم بشؤونه الخاصة دون غيرها.

  • نضاله:


  لم يبدأ الشيخ الطيب العقبي نضاله مباشرة بعد عودته من مكة، ففي الفترة بين (1920-1927) كان يعيش بين أهله وقومه مهتما بأملاك أبيه يكسب ويوفربها العيش والهناء لنفسه ولأسرته. وفي سنة 1927 تكونت له صداقة وعلاقة مع بعض الأدباء ورجال الإصلاح مثل الأمين العمودي ومحمد العيد آل خليفة وأحمد العابد العقبي وغيرهم، وقرر إصدار جريدة عربية إصلاحية بعنوان  “الإصلاح “وبواسطتها بدأ الشيخ ينشر أفكاره الإصلاحية، ويلح على ضرورة القيام بنهضة عربية إسلامية خالية من الإنحرافات والشعوذة، ومبنية على القرآن والسنة، مثلما كان يدعو إليه الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلة ” الشهاب”، لكن هذه الجريدة لم تدم طويلا حيث توقفت عن الإصدار سنة 1930.

  هذا النشاط جعل الشيخ الطيب العقبي يتنقل بين المدن الجزائرية ويتصل بعلمائها، وفي مدينة الجزائر كان الشيخ ينزل بنادي ” الترقي” ويقوم فيه بنشاط ملحوظ، وخصوصا بإلقاء محاضرات كان لها وقعا كبيرا في نفوس الحاضرين، وهذا بطلب من جماعة النادي. وفي تلك الفترة تفجرت عبقرية الشيخ العقبي حتى أصبح إسمه مقرونا باسم ” نادي الترقي” فهو المسير والمحرك لجميع أنشطته.

  وفي سنة 1931، شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وفي تنظيمها وتوجيهها، وعين نائبا لرئيسها. وفي سنة 1935 عندما أصدرت الجمعية جريدة البصائرعين  مديرا لها، وفي سنة 1936 لعب الشيخ العقبي دورا كبيرا في نجاح ” المؤتمر الإسلامي” الذي وافق على بعض المطالب السياسية  الإصلاحية،  خصوصا الفصل بين الدين الإسلامي والإدارة الفرنسية، وكان الشيخ ضمن الوفد الذي عينه المؤتمر للذهاب إلى باريس لتقديم هذه المطالب إلى الحكومة الفرنسية.

  وعند رجوع الوفد من فرنسا قدم تقريرا حول النتائج التي تحصل عليها في مهرجان كبير بالملعب البلدي بمدينة الجزائر، واستغلت السلطات الإستعمارية هذه المناسبة لتقوم بإغتيال مفتي الجزائر ” محمود كحول” وإتهمت الشيخ الطيب بأنه وراء هذه العملية، فأعتقلته برفقة عباس التركي وزجت بهما في سجن ” بربروس”. غير أن الإحتجاجات على هذا الإعتقال كثرت مع جميع الجهات وأرغمت السلطات الإستعمارية على الإفراج عنهما.

ولقد تركت هذه الحادثة في نفس الشيخ أثرا سيئا، فأرغمته على التقليل من نشاطه وعلى التحلي بالحذر والإحتياط، فتخلى أول عن إدارة جريدة “البصائر” في سنة 1937، ثم عن العضوية في المجلس الإداري بجمعية العلماء سنة 1938.

 وفي سنة 1939، أصدر الشيخ العقبي من جديد جريدته القديمة ” الإصلاح”  التي توقفت منذ 1930، وبدأ جدال عنيف يظهر بينه وبين جمعية العلماء، وكان العقبي يساند موقف حركة الزوايا وأهل السنة المنافسين لجمعية العلماء، لكن هذا التحول جعله يفقد شعبيته حتى أصبح معزولا.

  • وفاته ومآثره:


 بعد إعتقال الشيخ الطيب بدأ نشاطه يتقلص من فترة لأخرى حتى أصبح واضحا، فبقي يساير ويواكب المنحة التي تمر بها الجزائر، وظل يساهم ويمد بآرائه لكن ليس بالصفة المعتادة. غير أن ذلك لم يمنعه من ملازمة نشاطه في نادي الترقي حتى وافته المنية سنة 1960. وقد ترك وراءه إنتاجا متناثر ليمثل في المقالات التي كتبها في صحف وجرائد مختلفة منها: جريدة المنتقد التي أسسها عبد الحميد بن باديس، وكانت مقالاته فيها كلها مدعمة بالحجج والأدلة، ثم جريدة الشهاب التي كتب فيها مقالات بعنوان ” في سبيل الوفاق” إضافة إلى ما كتبه في جريدته ” الإصلاح” وأيضا مقالاته في جريدة البصائر التي تأسست سنة 1935. وأخيرا مجموعة من المحاضرات القيمة التي كان يلقيها في نادي الترقي.